فصل: ثم دخلت سنة أربع وسبعين وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ذكر دخول العساكر إلى بلاد الأرمن

وفي هذه السنة بعد فراغ الملك الظاهر من فتوح صفد سار إلى دمشق فلما دخلها واستقر فيها جرد عسكراً ضخماً وقدم عليهم الملك المنصور صاحب حماة وأمرهم بالمسير إلى بلاد الأرمن فسارت العساكر صحبة الملك المنصور المذكور ووصلوا إلى بلاد سيس في ذي القعدة مـن هـذه السنـة وكـان صاحـب سيـس إذ ذاك هيثـوم بـن قسطنطيـن بـن باسيـل قـد حصـن الدربنـدات بالرجالـة والمناجنيـق وجعـل عسكـره مع ولديه على الدربندات لقتال العسكر الإسلامي ومنعه فداستهم العساكر الإسلامية وأفنوهم قتلاً وأسراً وقتل ابن صاحب سيس الواحد وأسر ابنه الآخر وهو ليفون بن هيثوم المذكور وانتشرت العساكر الإسلامية في بلاد سيس وفتحوا قلعة العامودين‏.‏

وقتلوا أهلها ثم عادت العساكر وقد امتلأت أيديهم من الغنائم ولمـا وصـل خبـر هـذا الفتـح العظيـم إلـى الملـك الظاهـر بيبرس رحل من دمشق ووصل إلى حماة ثم إلى فامية فالتقى عساكره وقد عادت منصورة وأمر بتسليم الأسرى وفيهم ليفون بن صاحب سيس وكان المذكور لما أسر سلمه الملك المنصـور إلـى أخيـه الملـك الأفضـل فاحتـرز عليـه وحفظـه حتى‏:‏ حضره بين يدي السلطان ثم عاد إلى الديار المصرية على طريق الكرك فتقنطر بالملك الظاهر المذكور فرسه عند بركة زيزا وانكسرت فخذه وحمل في محفة إلى قلعة الجبل‏.‏

ذكر قتل أهل قارا ونهبهم وفي هذه السنة عند توجه الملك الظاهر من دمشق لملتقى عساكره العائدة مـن غـزوة بلـاد سيس لما نزل على قارا بين دمشق وحمص أمر بنهب أهلها وقتل كبارهم فنهبوا وقتل منهم جماعـة لأنهـم كانـوا نصـارى وكانـوا يسرقـون المسلميـن ويبيعونهـم بالخفية إلى الفرنج وأخذت صبيانهم مماليك فتربوا بين الترك في الديار المصرية فصار منهم أجناد وأمراء‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وستين وستمائة

فيها وصل الملك المنصور محمد صاحب حماة إلى خدمـة الملـك الظاهر بيبرس بالديار المصرية ثم طلب المنصور من الملك الظاهر مرسوماً بالتوجه إلى الإسكندرية ليراها ويتفرج فيها فرسم له بذلك وأمر أهل إسكندرية بإكرامـه واحترامـه وفرش الشقق بين يدي فرسه‏.‏

فتوجه الملك المنصور إلى الإسكندرية وعاد للديار المصرية مكرماً محترماً ثم خلع عليه الملك الظاهر وأحسن إليه على جاري عادته ورسم له بالدستور وفيهـا توجـه الملـك الظاهـر بيبـرس إلـى الشام فنظر في مصالح صفد ووصل إلى دمشق وأقام بها خمسة أيام وقوي الأرجاف بوصول التتر إلى الشام ثم وردت الأخبار بعودهم على عقبهـم فعاد الملك الظاهر إلى ديار مصر‏.‏

  ذكر موت ملك التتر بالبلاد الشمالية

وفي هذه السنة مات بركه بن باطوخان بن دوشي خان بن جنكزخان أعظم ملـوك التتـر وكرسـي مملكتـه مدينـة صـراي وكان قد مال إلى دين الإسلام ولما مات جلس في الملك بعده ابن عمه منكوتمر بن طغان بن باطر بن دوشي خان بن جنكزخان‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وستين وستمائة

ذكر مسير الملك الظاهر إلى الشام وفتح أنطاكية وغيرها‏:‏ فـي هـذه السنـة فـي مستهـل جمـادى الآخرة توجه الملك الظاهر بيبرس بعساكره المتوافرة إلى الشام وفتح يافا في العشر الأوسط من الشهر المذكور وأخذها من الفرنج ثم سـار إلـى أنطاكيـة ونازلها مستهل رمضان وزحفت العساكر الإسلامية على أنطاكية فملكوها بالسيف في يوم السبت رابع شهر رمضان من هذه السنة وقتلوا أهلها وسبوا ذراريهم وغنموا منهم أمـوالاً جليلة وكانت أنطاكية للبرنس بيمند بن بيمند ولـه معهـا طرابلـس وكـان مقيمـاً بطرابلـس لمـا فتحت أنطاكية وفيها في ثالث عشر رمضان استولى الملك الظاهر على بغراس وسبب ذلك أنه لما فتح أنطاكية هرب أهل بغراس منها وتركوا الحصن خالياً فأرسل من استولى عليها في التاريخ المذكور وشحنه بالرجال والعدد وصار من الحصون الإسلامية وقد تقدم ذكر فتح صلاح الدين للحصن المذكور وتخريبه ثم عمارة الفرنج له بعد صلاح الدين ثم حصار عسكر حلب له ورحيلهم عنه بعد أن أشرفوا على أخذه‏.‏

وفيها في شوال وقع الصلح بين الملك الظاهر وبين هيثوم صاحب سيس على أنه إذا أحضر صاحب سيس سنقر الأشقر من التتر وكانوا قد أخذوه من قلعة حلب لما ملكها هولاكو كما تقدم ذكره‏.‏

وسلم مع ذلك بهسنا ودربساك ومرزبان ورعبان وشيح الحديد يطلق له ابنه ليفون فدخل صاحب سيس علـى أبغـا ملـك التتـر وطلـب منـه سنقـر الأشقـر فأعطـاه إيـاه ووصل سنقر الأشقر إلى خدمة الملـك الظاهـر وكذلـك سلـم دربسـاك وغيرهـا مـن المواضـع المذكورة خلا بهسنا وأطلق الملك الظاهر ابن صاحب سيس ليفون بـن هيثـوم وتوجـه إلـى والده ثم عاد الملك الظاهر إلى الديار المصرية ووصل إليها في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

وفيها اتفق معين الدين سليمان البرواناه مع التتر المقيمين معه ببلاد الروم على قتل ركن الدين قليـج أرسلـان بـن كيخسـرو بـن كيقبـاذ بـن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلومش بن أرسلان يبغو بن سلجوق سلطان الروم فخنق التتر ركن الدين المذكور بوتر وأقام البرواناه مقامه ولده غياث الدين بن ركن الدين قليج أرسلان المذكور وله من العمر ربع سنين‏.‏

  ثم دخلت سنة سبـع وستين وستمائـة

وفـي هذه السنة خرج الملك الظاهر إلى الشام وخيم في خربة اللصوص وتوجه إلى مصر بالخفية ووصل إليها بغتة وأهل مصر والنائب بها لا يعلمون بذلك إلا بعد أن صار بينهم ثم عاد إلى الشام‏.‏

وفيها تسلم الملك الظاهر بلاطنس من عز الدين عثمان صاحب صهيون‏.‏

وفيها توجه الملك الظاهر بيبرس إلى الحجاز الشريف وكان رحيله من الفوار فـي الخامـس والعشرين من شوال ووصل إلى الكرك وأقام به أياماً وتوجه من الكرك في سادس ذي العقدة إلـى الشوبـك ورحـل مـن الشوبـك فـي الحـادي عشـر مـن الشهـر المذكـور ووصـل إلـى المدينة النبوية في خامس وعشرينه ووصل إلى مكة في خامس ذي الحجة ووصل إلى الكرك في سلخ ذي الحجة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وستين وستمائة

فيها توجه الملك الظاهر بيبرس من الكرك مستهل المحرم عنـد عـوده مـن الحـج فوصـل إلـى دمشـق بغتـة وتوجـه فـي يومـه‏.‏

ووصـل إلى حماة في خامس المحرم وتوجـه مـن ساعتـه إلـى حلـب ولـم يعلـم بـه العسكـر إلا وهـو فـي الموكـب معهـم وعاد إلى دمشق في ثالث عشر المحرم المذكور ثم توجه إلى القدس ثم إلى القاهرة فوصل إليها في ثالث صفر من هذه السنة‏.‏

وفيها عاد الملك الظاهر إلى الشام وأغار على عكا وتوجه إلى دمشق ثم إلى حماة‏.‏

وفيهـا جهـز الملـك الظاهر عسكراً إلى بلاد الإسماعيلية فتسلموا مصياف في العشر الأوسط من رجب من هذه السنـة وعـاد الملـك الظاهـر مـن حمـاة إلـى جهـة دمشـق فدخلهـا فـي الثامـن والعشرين من رجب ثم عاد إلى مقر ملكه بمصر‏.‏

وفيهـا حصـل بيـن منكوتمـر بـن طغـان ملـك التتـر بالبلـاد الشماليـة وبيـن الأشكري صاحب قسطنطينية وحشة فجهز منكوتمر إلى قسطنطينية جيشاً من التتر فوصلوا إليها وعاثوا في بلادها ومرواً بالقلعة التي فيها عز الدين كيكاؤوس بن كيخسرو ملك بلاد الروم محبوساً كما قدمنـا ذكـره فـي سنـة اثنتيـن وستيـن وستمائـة فحملـه التتـر بأهلـه إلـى منكوتمر فأحسن منكوتمر إلى عز الدين المذكور وزوجه وأقام معه إلى أن توفي عز الدين المذكور في منة سبع وسبعين وستمائة فسار ابنه مسعود بن عز الدين المذكور إلى بلاد الروم وسار سلطان الروم على ما وفيها أعني سنـة ثمـان وستيـن وستمائـة قتـل أبـو دبـوس آخـر الملـوك مـن بنـي عبـد المؤمـن وانقرضت بموته دولتهم وقد تقدم ذكر ذلك في سنة أربع وعشرين وستمائة وملكت بلادهم بعدهم بنو مرين على ما سنذكره إن شاء الله تعالى في سنة اثنتين وسبعين وستمائة‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وستين وستمائة

  ذكر فتح حصن الأكراد وحصن عكار والقرين

فـي هـذه السنـة توجـه الملـك الظاهـر بيبرس من الديار المصرية إلى الشام ونازل حصن الأكراد في تاسع شعبان هذه السنة وجد في حصاره واشتـد القتـال عليـه وملكـه بالأمـان فـي الرابـع والعشرين من شعبان المذكور ثم رحل إلى حصن عكار ونازله في سابع عشر رمضان من هـذه السنـة وجـد في قتاله وملكه بالأمان سلخ رمضان المذكور وعيد الملك الظاهر عليه عيد الفطر فقال محي الدين بن عبد الظاهر مهنئاً له بفتوح عكار‏:‏ يا مليك الأرض بشرا - ك فقد نلت الاراده إن عكار يقيناً هـو عكار زياده وفيها في شوال تسلم الملك الظاهر قلعة العليقة وبلادها من الإسماعيلية‏.‏

وفيها توجه الملك الظاهـر إلـى دمشـق وسـار منهـا فـي العشـر الأخيـر من شوال إلى حصن القرين ونازله في ثاني ذي القعدة وزحف عليه وتسلمه بالأمان وأمر به فهدم ثم عاد إلى مصر‏.‏

وفيهـا جهـز الملـك الظاهـر مـا يزيـد علـى عشـرة شوانـي لغـزو قبـرس فتكسـرت فـي مرسـى اليميسوس وأسر الفرنج من كان بتلك الشواني من المسلمين فاهتم السلطان بعمارة شوان آخر فعمل في المدة اليسيرة ضعف ما عدم‏.‏

وفيها توفي هيثوم بن قسطنطين صاحب سيس وملك بعده ابنه ليفون الذي أسره المسلمون حسبمـا تقـدم ذكره‏.‏

وفيها قبض الملك الظاهر على عز الدين بغان المعروف باسم الموت وعلي المحمدي وغيرهما‏.‏

وفيها توفي القاضي شمس الدين بن البارزي قاضي القضاة بحماة‏.‏

وفيها توفي الطواشي شجاع الدين مرشد الخادم المنصوري رحمه الله تعالى وكان كثيرالمعروف وتولى تدبير مملكة حماة مدة وكان يعتمد عليه الملك الظاهر ويستشيره‏.‏

  ثم دخلت سنة سبعين وستمائة‏.‏

فيها توجه الملك الظاهر إلى الشام وعزل جمال الدين أقوش النجمـي عـن نيابـة السلطنة بدمشق وولى فيها علاء الدين أيدكين الفخري الأسندار في مستهل ربيع الأول ثم توجه الملك الظاهر إلى حمص ثم إلى حصن الأكراد ثم عاد إلى دمشق‏.‏

وفيها والملك الظاهر بدمشق أغارت التتر على عينتـاب وعلـى الـروج وقميطـون إلـى قـرب فامية ثم عادوا واستدعى الملك الظاهر عسكراً من مصر فوصلوا إليه صحبة بدر الديـن البيسـري فتوجـه الملـك الظاهر بهم إلى حلب ثم عاد إلى الديار المصرية فوصل إليها في الثالث والعشرين من جمادى الأولى‏.‏

وفيها في شوال عاد الملك الظاهر بيبرس من الديار المصرية إلى الشام فوصل إلى دمشق في ثالث صفر‏.‏

وفيها توفي سيف الدين أحمد بن مظفر الدين عثمان بن منكبرس صاحب صهيون فسلـم ولداه سابق الدين وفخر الدين صهيون إلى الملك الظاهر وقدما إلى خدمته وأحسن إليهمـا وأعطى سابق الدين أمرة طملخاناة وفيها نازل التتر البيرة ونصبوا عليها المناجنيق وضايقوها وسار إليهم الملك الظاهر وأراد عبور سفرات إلى بر البيرة فقاتله التتر على المخاضة فاقتحم الفرات وهزم التتر فرحلوا عن البيرة وتركوا آلات الحصار بحالها فصارت للمسلمين‏.‏

ثم عاد الملك الظاهر فوصل إلى الديار المصرية في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة وفيها أفرج عن الدمياطي من الاعتقال‏.‏

وفيها تسلمت نواب الملك الظاهـر مـا تأخـر مـن حصـون الإسماعيليـة وهـي الكهـف والمينقـة وقدموس وفيها اعتقل الملك الظاهر الشيخ خضر وكان قد بلغ المذكور عند الملـك الظاهـر أرفع منزلة وانبسطت يده وأنفذ أمره في الشام مصر فاعتقله في قاعة بقلعة الجبل مكرماً حتى مات‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وستمائة

ذكر ملك يعقوب المريني مدينة سبتة وابتداء ملكهم‏:‏ وفـي هـذه السنـة ملـك يعقـوب بـن عبـد الحـق بـن محبـو بـن حمامـة المرينـي مدينـة سبتـة وبنو مرين ملوك بلـاد المغـرب بعـد بنـي عبد المؤمن وكان آخر من ملك من بني عبد المؤمن أبو دبوس وقد ذكرنا ما وقع لنا من أخبار أبي دبوس المذكور مع ما فيه من الاختلاف في سنة أربع وعشرين وستمائة وأن المذكور قتل في سنة ثمان وستين وستمائة وانقرضت حينئذ دولة بني عبد المؤمن‏.‏

وملك بعدهم بنو مرين وهذه القبيلة أعني بني مرين يقال لهم حمامة من بين قبائل العـرب بالمغـرب وكـان مقامهـم بالريـف القبلـي من إقليم تازة وأول أمرهم أنهم خرجوا عن طاعة بني عبد المؤمن المعروفين بالموحدين لما اختل أمرهم وتابعوا الغارات عليهـم حتـى ملكـوا مدينـة فـاس واقتلعوها مـن الموحديـن فـي سنـة سبـع وثلاثيـن وستمائـة واستمـرت فـاس وغيرهـا فـي أيديهـم فـي أيـام الموحديـن‏.‏

وأول مـن اشتهـر مـن بنـي مرين أبو بكر بن عبد الحق بن محبو بن حمامة المريني وبعد ملكه فاس سار إلى جهة مراكش وضايق بني عبد المؤمن وبقي كذلك حتى توفي أبو بكر المذكور في سنة ثلاث وخمسين وستمائة‏.‏

وملك بعده أخوه يعقوب بن عبد الحق بن محبو وقوى أمره وحاصر أبا دبوس في مراكش وملكها يعقوب المريني المذكور وأزال ملك بني عبد المؤمن من حينئذ واستقرت قدم يعقوب المريني المذكـور فـي الملـك وبقـي يعقـوب مستمـراً فـي الملـك حتـى ملـك سبتـة فـي هـذه السنـة ثـم توفـي ولم يقع لي تاريخ وفاته‏.‏

وملك بعده ولده يوسف ابن يعقوب بن عبد الحق بن محبو وكنية يوسف المذكور أبو يعقوب واستمـر يوسـف المذكـور فـي الملـك حتـى قتـل سنـة ست وسبعمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيهـا وصـل الملك الظاهر بعساكره إلى دمشق وفيها عاد عمر بن مخلول أحد أمراء العربان إلى الحبس بعجلون وكان من حديثه أن الملك الظاهر حبسـه بعجلـون مقيـداً فهـرب مـن الحبـس المذكور إلى بلاد التتر ثم أرسل يطلب الأمان فقال الملك الظاهر ما أؤمنـه إلا أن يعـود إلـى عجلـون وبضـع القيـد فـي رجلـه كمـا كـان فعـاد عمـر إلـى عجلـون وجعـل القيـد في رجله فعفى عنه الملك الظاهر عند ذلك‏.‏

وفيها قويت أخبار التتر لقصد الشام فجفل الناس وفيها في جمادى الأولى كانت ولادة العبد الفقير مؤلف هذا المختصر إسماعيل بن علي بن محمود ابن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بدار ابن الرنجيلي بدمشق المحروسة فان أهلنا كانوا قد جفلـوا مـن حمـاة إلـى دمشـق بسبب أخبار التتر‏.‏

وفيهـا توفـي الشيـخ جمـال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني النحوي ولـه فـي النحـو واللغـة مصنفـات كثيـرة مشهـورة وفيهـا فـي ذي القعدة توفي الأمير مبارز الدين أقوش المنصـوري مملـوك الملك المنصور صاحب حماة ونائب سلطنته وكان أميراً جليلاً عاقلاً شجاعاً وهو قبجاقي الجنس‏.‏

وفيها في يوم الاثنين ثامن عشر ذي الحجة توفي الشيخ العلامة نصير الدين الطوسي واسمه محمد بـن محمـد بـن الحسيـن الإمـام المشهـور وكـان يخـدم صاحـب الألمـوت ثـم خـدم هولاكـو وحظـي عنـده وعمـل لهولاكـو رصـداً بمراغـة وزيجـا ولـه مصنفـات عديـدة كلهـا نفيسة منها إقليدس تضمن اختلاط الأوضاع وكذلك المجسطي وتذكرة في الهيئة لم يصنف في فنها مثلها وشـرح الإشارات وأجاب عن غالب إيرادات فخر الدين الرازي عليها وكانت ولادته في حادي عشـر جمـادى لأولـى سنـة سبـع وتسعين وخمسمائة وكانت وفاته ببغداد ودفن في مشهد موسى الجواد‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلـاث وسبعيـن وستمائة

فيها توجه الملك الظاهر بيبرس إلى بلاد سيس فدخلها بعساكره المتوافرة وغنموا ثم عادوا إلى دمشق حتى خرجت هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وسبعين وستمائة

فيها نازلت التتر البيرة وكان اسم مقدمهم أقطاي وكان الملك الظاهر بدمشق فتوجه إلى جهـة البيـرة فرحـل التتـر عنهـا ولاقـى الملـك الظاهـر الخبـر برحيلهم وهو بالقطيفة فأتم السير إلى حلب ثم عاد إلى مصر‏.‏

وفيها بعد وصول الملك الظاهر إلى مصر جهز جيشاً مع أقسنقر الفارقاني ومعه عز الدين أيبك الأفرم إلى النوبة فساروا إليها ونهبوا وقتلوا وعادوا بالغنائم‏.‏

وفيهـا كـان زواج الملـك السعيـد بركـة ابـن الظاهـر بيبـرس بابنـة الأميـر سيـف الديـن قلاوون الصالحي غازية خاتون‏.‏

وفيها في أواخر السنة المذكورة عاد الملك الظاهر إلى الشام‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وسبعينوستمائة

فيها في المحرم وصل الملك الظاهر بيبرس إلى دمشق وكان فد خرج من مصر في أواخر سنة أربع وسبعين وبلغه وصول الأمراء الروميين الوافدين وهم بيجار الرومي وبهادر ولده وأحمد بن بهـادر وغيرهـم فسـار الملـك الظاهـر إلـى جهـة حلب والتقاهم وأكرمهم ثم عاد إلى الديار المصرية‏.‏

  ذكر دخول الملك الظاهر إلى بلاد الروم

وفي هذه السنة عاد الملك الظاهر بيبرس بعساكره المتوافرة إلى الشام وكان خروجه من مصر في يوم الخميس لعشرين من رمضان هذه السنة ووصل إلى حلب ثم إلى النهـر الـأزرق ثـم سـار إلـى أبلستين فوصل إليها في ذي القعدة والتقى بها جمعا من التتر مقدمهم تناون وكانوا نقاوة المغل فالتقى الفريقان في أرض أبلستين يوم الجمعة عاشر ذي القعدة من هذه السنة فانهزم التتر وأخذتهم سيوف المسلمين وقتل مقدمهم تناون وغالب كبرائهم وأسر منهم جماعة كثيرة صاروا أمراء وكان من جملة المأسورين فـي هـذه الموقعـة سيـف الديـن قبجـق وسيف الدين أرسلان وسنذكر أخبارهما إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم سار الملك الظاهر بعد فراغه من هذه الوقعة إلى قيسارية واستولى عليها وكان الحاكم بالروم يومئذ معين الدين سليمان البرواناه وكان يكاتب الملك الظاهر فـي الباطـن وكـان يظـن الملك الظاهر أنه إذا وصل إلى قيسارية يصل إليه البرواناه على ما كان قـد اتفـق معـه فـي الباطن فلم يحضر البرواناه لما أراده الله من هلاكه على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وأقام الملك الظاهر على قيسارية سبعة أيام في انتظار البرواناه وخطب له على منابرها ثم رحل عن قيسارية في الثاني والعشرين من ذي القعدة وحصل للعسكر شدة عظيمة من نفاذ القوت والعلف وعدمت غالب خيولهم ووصلوا إلى عمق حارم وأقاموا به شهراً ولما بلغ أبغا بن هولاكو ساق في جموع المغل حتى وصل إلى الأبلستين وشاهد عسكره صرعى ولم يشاهد أحداً من عسكر الروم مقتولاً فاستشاط غضباً وأمر بنهب الروم وقتل من مر به من المسلمين كنهب وقتل منهم جماعة ثم سار أبغا إلى الأردو وصحبته معين الدين البرواناه فلما استقر بالأردو أمـر بقتـل البروانـاه فقتـل وقتلـوا معـه نيفـاً وثلاثيـن نفسـاً مـن مماليكـه وخواصـه واسـم البرواناه المذكور سليمان والبرواناه لقب وهـو‏.‏

الحاجـب بالعجمـي وكـان مقتلـه بالأطـاغ وكـان البرواناه حازماً بتدبير المملكة ذا مكر ودهاء‏.‏

وفـي هـذه السنة توفي الشهاب محمد بن يوسف بن زائدة التلعفري الشاعر‏.‏

وفيها مات الشيخ خضر في حبس الملك الظاهر‏.‏

وفيها عاد الملك الظاهر من عمق حارم وتوجه إلى دمشق‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وسبعين وستمائة

فيها في خامس المحرم وصل الملك الظاهر بيبرس إلى ذكر وفاة الملك الظاهر بيبرس فيها في يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم توفي السلطان الملك الظاهر أبو الفتح بيبرس الصالحي النجمي بدمشق وقت الـزوال رحمـه اللـه تعالـى عقـب وصولـه مـن بلـاد الـروم إلـى دمشق على ما تقدم ذكره وقد اختلف في سبب موته فقيل إنه انكسف القمر كسوفاً كلياً وشاع بين الناس أن ذلك سبب موت رجل جليل القدر فأراد الملك الظاهر أن يصرف التأويل إلـى غيره فاستدعى بشخص من أولاد الملوك الأيوبية يقال له الملك القاهر من ولد الملك الناصر داود بـن المعظـم عيسـى وأحضـر قمـزاً مسمومـاً وأمـر الساقـي فسقـى الملك القاهر المذكور فشـرب الملك الظاهر ناسياً بذلك النهاء على أثر شرب الملك القاهر فمات الملك القاهر عقيب ذلك وأما الملك الظاهر فحصلت له حمى محرقة وتوفي في التاريخ المذكور وكتم نائبه ومملوكه بدر الدين تتليك المعروف بالخزندار موته وصبره وتركه في قلعة دمشق إلى أن استوت تربته بدمشق قرب الجامع فدفن فيها وهي مشهورة معروفة وارتحـل بـدر الديـن تتليـك بالعساكـر ومعهـم المحفـة مظهـراً أن الملـك الظاهـر فيهـا وأنـه مريـض وسـار إلـى ديـار مصـر وكان الملك الظاهر قد حلف العسكر لولده بركة بن بيبرس ولقبه الملك السعيد وجعله لي عهده فوصل تتليك الخزندار بالخزائن والعسكر إلى الملك السعيد بقلعة جبل وعند ذلك أظهر موت الملك الظاهر وجلس ابنه الملك السعيد للعزاء استقر في السلطنة وكانت مدة مملكة الملك الظاهر نحـو سبـع عشـرة سنـة وشهريـن عشـرة أيـام لأنـه ملـك فـي سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائـة توفـي فـي السابـع والعشريـن مـن محرم من سنة ست وسبعين وستمائة وكان ملكاً جليلاً شجاعاً عاقلاً مهيباً ملك الديار المصرية والشام وأرسل جيشاً فاستولوا على النوبـة وفتـح الفتوحات الجليلة مثل صفد وحصن الأكراد وأنطاكيـة وغيرهـا علـى مـا تقـدم ذكـره‏.‏

وأصلـه مملوك قبجاقي الجنس وسمعت أنه برجعلي وكان أسمر أزرق العينين جهوري الصوت حضر هو ومملوك آخر مع تاجر إلى حماة فاستحضرهما الملك المنصور محمد ليشتريهما فلم يعجبه واحد منهما وكـان دكيـن البندقـدار الصالحـي مملـوك الملـك الصالـح أيـوب صاحـب مصـر قـد غضب عليه الملك الصالح المذكور وكان قد توجه أيدكين إلى جهة حماة فأرسل الملك الصالح وقبض على أيدكين المذكور واعتقله بقلعة حماة فتركه الملك المنصور صاحب حماة في جامع قلعة حماة واتفق ذلك عند حضور الملك الظاهر مع التاجر فلما قلبه الملك المنصور ولم يشتره أرسل أيدكين البندقدار وهو معتقل فاشتراه وبقي عنده ثم أفرج الملك الصالح عن البندقدار فسار من حماة وصحبته الملك الظاهر وبقي مع أستاذه البندقدار المذكور مدة ثم أخذه الملك الصالح من البندقدار فانتسب إلى الملك الصالح دون أستاذه وكان يخطب لـه وينقـش علـى الدراهم والدنانير بيبرس الصالحي‏.‏

وكـان استقـرار الملـك السعيد بركة ابن الملك الظاهر في مملكة مصر والشام في أوائل ربيع الأول مـن هـذه السنـة أعنـي سنة ست وسبعين وستمائة واستقر بدر الدين تتليك الخزندار في نيابة السلطنة على ما كان عليه مع والده واستمرت الأمور على أحسن نظام فلم تطل أيام تتليك الخزندار ومات بعد ذلك في مدة يسيرة قيل حتف أنفه وقيل بل سم والله أعلم وتولى نيابة السلطنة بعده شمس الدين الفارقاني ثم إن الملك السعيد خبط وأراد تقديم الأصاغر وأبعد الأمراء الأكابر وقبض على سنقر الأشقر والبيسري ثم أفرج عنهما بعد أيام يسيرة ففسدت نيات الأمراء الكبار عليه وبقي الأمر كذلك حتى خرجت هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وسبعين وستمائة

ذكر مسير الملك السعيد بركة إلى الشام والإغارة على سيس وخلاف عسكره عليه‏:‏ في أثناء هذه السنة سار الملك السعيد بركة إلى الشام وصحبته العساكر ووصل إلى دمشق وجرد منها العسكر صحبة الأمير سيف الدين قلاوون الصالحي وجرد أيضاً صاحب حمـاة فساروا ودخلوا إلى بلاد سيسى وشنوا الإغارة عليها وغنموا ثم عادوا إلـى جهـة دمشـق واتفقوا على الخلاف على الملك السعيد المذكور وخلعه من السلطنة لسوء تدبيره وعبروا على دمشق ولم يدخلوها فأرسل إليهم الملك السعيد واستعطفهم ودخل عليهم بوالدته فلم يلتفتوا إلى ذلك وأتموا السير فركب الملك السعيد وساق وسبقهم إلى مصر وطلع إلى قلعة الجبل وسارت العساكر في إثره وخرجت هذه السنة والأمر كذلك‏.‏

وفيهـا توفـي عـز الديـن كيكـاؤوس بـن كيخسـرو بـن كيقبـاذ بـن كيخسـرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلومش بن أرسلان بن سلجوق عند منكوتمر ملك التتر بمدينـة صـراي وكيكـاؤوس المذكـور هـو الـذي كـان محبوسـاً بقسطنطينيـة حسبمـا تقـدم ذكـر القبض عليه في سنـة اثنيـن وستيـن وذكـر خلاصـه واتصالـه بملـك التتـر فـي سنـة ثمـان وستيـن وخلـف عـز الديـن المذكـور ولـداً اسمه مسعود وقصد منكوتمر أن يزوجه بزوجة ابنه عز الدين كيكاؤوس فهرب مسعود واتصل ببلاد الروم فحمل إلى أبغا فأحسن إليه أبغا وأعطاه سيواس وأرزن الروم وأرزنكان واستقرت هذه البلاد لمسعـود المذكـور ثـم بعـد ذلـك جعلـت سلطنـة الروم باسم مسعود المذكور وافتقـر جـداً وانكشـف حالـه وهـو آخـر مـن سمـي سلطانـاً مـن